الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
والفجر أصله من تفجر العيون، أي: انشقاقها؛ فشبه طلوع الفجر بالضوء من الأفق بطلوع الماء من العيون، وكذلك سمي الصديع من الصدع الذي هو الشق، وتقول فجر العين فجرا وفجر فجورا: إذا انشق، وأفجرنا: إذا دخلنا في الفجر، مثل أصبحنا وأمسينا: إذا دخلنا في الصباح والمساء. وفيه فروع ستة: الأول في الكتاب: وقتهما بعد الفجر، ويتحراهما إذا كان غيما، فإن أخطأ أعادهما؛ لما في الموطأ: كان - عليه السلام - إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة . قال سند: قال ابن حبيب: لا يعيدهما إذا أخطأ؛ لأن المطلوب التحري وقد فعله، فإن أحرم قبل الفجر وأتم بعده، قال مالك: لا يجزيه. الثاني في الكتاب: أما أنا فأقرأ فيهما بأم القرآن وحدها؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -: أن كان - عليه السلام - ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول: قرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟، وحكى اللخمي رواية بقراءة السورة، وقاله (ش)، وفي مسلم: أنه - عليه السلام - قرأ فيهما: قل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد، ويعضد الأول أن الفجر مع الصبح كالرباعية فركعتان بالحمد وسورة، وركعتان بالحمد وحدها؛ ولذلك شرع فيه الإسرار على المشهور، وحكى اللخمي فيه روايتين، وفي الكتاب تشترط النية بهما زيادة على نية الصلاة. الثالث في الكتاب: إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فلا يركعهما، ويدخل في الصلاة، وإن أحب ركعهما بعد الشمس؛ لقوله - عليه السلام - إذا أقيمت الصلاة لا صلاة إلا المكتوبة، وقاله (ش). وفي الجلاب: يخرج من المسجد فيصليهما ثم يعود، وقاله (ح)، واستحب أشهب في الموازية أن يركعهما حالة الإقامة في المسجد الحرام لأنهم يطلبونها فيه، وأما قضاؤهما بعد الشمس، فقاله (ش)، وابن حنبل، قال سند: ووقت القضاء إلى الزوال؛ لأنهما تبع لصلاة أول النهار والنصف الأول ينقضي بالزوال، وفي الترمذي: قال - عليه السلام -: من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس. فلو نام عن الصبح، قال مالك: لا يصليهما مع الصبح بعد الشمس، وما بلغني أنه - عليه السلام - قضاهما يوم الوادي، وقال أشهب: بلغني ويقضيهما، وهو في مسلم، ويعضد الأول قوله - عليه السلام -: من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، وذلك يمنع من الاشتغال بغيرها، وفي الجواهر عن الابهري أن لفظ القضاء فيهما تجوز بل هما ركعتان ينوب ثوابهما له عن ثواب الفائت. الرابع في الكتاب: إن سمع الإقامة قبل دخول المسجد؛ إن لم يخف فوات ركعة صلاهما خارج المسجد في شيء من الأفنية التي تصلي فيها الجمعة اللاصقة به، وقاله (ح)، وقال (ش)، وابن حنبل: يقدم الدخول في الصبح؛ لعموم الحديث؛ لنا ما في أبي داود: قال - عليه السلام - لأبي هريرة: لا تدعهما ولو طردتك الخيل . وروى ابن القاسم في العتبية يركعهما إلا أن تفوته الصلاة، فرأى في الكتاب أن فضيلة ركعة أعظم منهما، ومنع في الأفنية، خلافا (ح) لأدائه إلى الطعن على الإمام. قال سند: إذا أقيمت عليه في الفناء، قال مالك: يدخل معهم ولا يركعهما كما لو كان في المسجد، قال: وللإمام تسكيت المؤذن حتى يركع، فإن لم يخرج لا يخرج ولا يسكته ويركع مكانه. الخامس في الجواهر: لو ركع في بيته ثم أتى المسجد، ففي ركوعه روايتان، وإذا قلنا يركع؛ فهل ذلك إعادة للفجر أو تحية للمسجد قولان للمتأخرين - نظرا لتعارض النهي عن الصلاة حينئذ إلا ركعتي الفجر، والأمر بتحية المسجد، وقد جوز في الكتاب لمن يفوته حزبه أن يصليه قبل الصبح وبعد الفجر وسجود التلاوة، قال: وإن دخل المسجد بعد الفجر وقبل الصبح فلا يصلي إلا ركعتي الفجر، وانفرد الشيخ أبو الحسن بأنه يحيى المسجد، ثم يركع للفجر، وضعفه أبو عمران. السادس: يكره الكلام بعد الصبح بخلاف ما قبله وبعد الفجر؛ لأنه وقت ذكر. وفيه فروع ثمانية: الأول في الكتاب: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وجوزها (ح) إلى الثمان بتسليمه بالليل، والأول: عنده أحسن، والى الأربع بالنهار على وجه الاستحباب، ولو صلى ما شاء جاز، وجوز (ش) أن يصلي بغير عدد، والأفضل السلام من ركعتين محتجا بما في مسلم: كان - عليه السلام - يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة؛ فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض لا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة . لنا ما في الصحاح، قال - عليه السلام -: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى، وخصص الليل لكون غالب التنفل فيه؛ فلا مفهوم له لخروجه مخرج الغالب فيعم الليل والنهار. الثاني في الكتاب: يصلي النافلة جماعة ليلا أو نهارا؛ لأن الناس قاموا معه - عليه السلام - في قيام رمضان ليلتين أو ثلاثا، وأجمع عليه في قيام رمضان والعيدين، والاستسقاء، والخوف، وقال ابن أبي زمنين: مراده الجمع القليل خفية كالثلاثة؛ لئلا تظنه العامة من جملة الفرائض، وكذلك أشار أبو الطاهر وقال: ولا يختلف المذهب في كراهة الجمع ليلة نصف شعبان، وليلة عاشوراء، وينبغي للأئمة المنع منه، قال سند: ويجوز الجهر فيها، والإسرار في الليل والنهار، قال ابن حبيب: والجهر بالليل أفضل، وقال ابن أبي زيد: الإسرار بالنهار أفضل؛ لقوله - عليه السلام -: صلاة النهار عجماء . وكره مالك طول السجود في النافلة في المسجد، وقال: اكره الشهرة. الثالث في الكتاب: إذا قطع النافلة عمدا قضاها، وقاله (ح) خلافا (ش)، ووافق في الحج والعمرة. لنا القياس عليهما، وقوله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم . وإذا حرم الإبطال ووجب الإتمام، فيجب القضاء قياسا على الواجبات؛ ولقوله - عليه السلام -: للسائل إلا أن تطوع، مفهومه أن التطوع يقتضي الوجوب. قاعدة. الأحكام على قسمين: منها ما اوجبه الله تعالى في أصل شرعه كالصلاة والصوم، ومنها ما وكله إلى إرادة خلقه كالمنذورات فلا يجب إلا بالنذر، وخصصه بنقل المندوبات إلى الواجبات، وأسباب الأحكام على قسمين: منها ما قرره في أصل شرعه كالزوال ورؤية الهلال، ومنها ما وكله إلى إرادة خلقه كالتعليقات في المنذورات والطلاق وغيره؛ فدخول الدار ليس سببا لطلاق امرأة أحد، ولا عتق عبده، إلا أن يجعله المكلف سببا لذلك بالتعليق، وعمم الشرع ذلك في المندوبات وغيرها من الأحكام، فلا غرو حينئذ أن ينصب الله تعالى الشروع سببا للوجوب، وتشهد له هذه القاعدة بالاعتبار، وقد فعل ذلك بالنسكين إجماعا. تنبيه: لا يوجد ذلك عندنا إلا في سبع مسائل: النسكين، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، والائتمام، والطواف، أما الشروع في تجديد الوضوء فنص أصحابنا على أن قطعه لا يوجب قضاء، وكذلك الشروع في الصدقة والقراءة والأذكار، وغير ذلك من القربات، وللخصم القياس على جميع ذلك، ولنا الفرق إن أمكن. الرابع في الكتاب: لم يؤقت قبل المكتوبة، ولا بعدها ركوعا لعمل المدينة. قال سند: وقول ابن الجلاب: ركعتان بعد المغرب من آكد المسنونات غير معروف في المذهب وليس بعد المغرب سنة، وقال (ش): ركعتان قبل الصبح، وركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وقال أهل العراق قبل الظهر أربع، وقال ابن حنبل: ركعتان قبل المغرب وركعتان بعد المغرب. وفي الجواهر عد القاضي أبو محمد من الرواتب الركوع قبل العصر وبعد المغرب. الخامس في الكتاب: إذا أقيمت الصلاة قبل الركوع في النافلة إن أمكنه إدراك ركوع الركعة الأولى بالاقتصار على الحمد فعل، وإلا قطع بسلام، ولا يقضي النافلة، فإن قطع بغير سلام أعاد المكتوبة؛ لأن قوله - عليه السلام -: لا صلاتان معا يعارضه: ولا تبطلوا أعمالكم . فمهما أمكن الجمع فعل، قال سند: وإذا بطلت الفريضة بسبب الدخول بغير سلام، فهو باق على حكم النافلة؛ لأنه يكفي فيها مطلق الصلاة. السادس في الكتاب: يكره التنفل عند الشروع في الإقامة والإمام في موضعه، وبعد الجمعة، وفي أبي داود قال - عليه السلام -: لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلي فيه حتى يتحول . السابع في الجلاب: يستحب لمن أراد الجلوس في المسجد، أو جلس ولم يصل أن يصلي ركعتين إلا أن يكون مجتازا أو محدثا أو في وقت نهي، أو تكرر بالدخول منه بعد أن يحيي وهي تسمى تحية مأخوذة من التحية الذي هو السلام، ويسمى السلام تحية من الحياة؛ لأن السلامة بسببها غالبا، والسلام دعاء بالسلامة، وأصلها: ما في الصحاح قال - عليه السلام -: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، ومفهومه أن المجتاز لا يؤمر بذلك، قال سند: إن صلى فرضا أداء وقضاء، دخل فيه التحية كالاعتكاف في رمضان؛ قال مالك: يبدأ في المسجد الحرام بالطواف قبل الركوع؛ لأنه الصلاة المختصة به، وفي مسجد المدينة بالركوع قبل السلام على النبي - عليه السلام -؛ لأنه حق لله، وهو مقدم على حق الرسل - عليهم السلام -. قاعدة. الله سبحانه وتعالى غني عن الخلق، لا تزيده طاعتهم ولا تنقصه معصيتهم، والأدب معه سبحانه وتعالى اللائق لجلاله متعذر منا، فأمرنا سبحانه أن نتأدب معه كما نتأدب مع أكابرنا؛ لأنه وسعنا، ولذلك أمرنا بالركوع والسجود والمدح له وإكرام خاصته وعبيده، ولما كان الداخل على بيوت الأكابر يسلم عليهم، والسلام في حقه تعالى متعذر لكونه سالما لذاته من سائر النقائض، بل ورد بأن يقال: أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يعود السلام، حينا ربنا بالسلام، أي: أنت السالم لذاتك، ومنك تصدر السلامة لعبادك، وإليك يرجع طلبها، فأعطنا إياها، ولما استحال السلام أقيمت الصلاة مقامه؛ ليتميز بيت الرب عن غيره، ولذلك نابت الفريضة عن النافلة لحصول التمييز. الثامن في الكتاب: يؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا لما في أبي داود، قال - عليه السلام -: مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع . وحكمة ذلك التدريب عليها حتى يأتي وقت التكليف فلا تشق عليهم، قال مالك في العتبية: يؤدبون عند الإثغار، قال ابن القاسم: ويفرق بينهم حينئذ، قال سند: معنى التأديب عنده في السبع بغير ضرب، ويضربون عليها عند العشر، ويكون قوله: ويفرق بينهم في المضاجع عطفا على مروهم وهو أحوط؛ لا سيما الذكور مع الإناث، وأما الصوم، فقال مالك: يؤمرون به عند البلوغ؛ لأنه ليس مما يتكرر بخلاف الصلاة، وقال ابن الماجشون: عند إطاقتهم لذلك، وإن لم يبلغوا. فائدة. يقال: ثغر: إذا سقطت رابعته، واثغر: إذا ثبتت. الذي استمر العمل عليه من العدد في قيام رمضان ست وثلاثون ركعة ثلاث وتر، وتستحب الجماعة فيه تأسيا بعمر - رضي الله عنه - واستمرارا العمل، قال سند: واختار مالك في مختصر ما ليس في المختصر إحدى عشرة ركعة، وهي صلاته - عليه السلام - والذي جمع عليها الناس عمر - رضي الله عنه -، وروي: أن الناس كانوا يقومون في زمن عمر ثلاثا، وعشرين ركعة، واختاره (ح)، وابن حنبل، وكانوا يصلون إلى قريب الفجر، وكره مالك إحياء الليل كله اتباعا للسنة، وهو محمول على من يواظبه، قال ابن رشد: لا اختلاف في أن الكثير من الصلاة أفضل من القليل، مع الابتداء في الطول، واختلف العلماء: هل الأفضل طول القيام أو كثرة الركوع؟ والسجود مع استواء الزمان؛ لقوله - عليه السلام -: من ركع ركعة، وسجد سجدة رفعه الله بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، وجاء: أن الذنوب تتساقط كلما ركع وسجد، وهما يدان على الفضل لا على الأفضلية، وروي عنه - عليه السلام -: لما سئل أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، وروي: طول القيام وهو الأطهر، وكره الدعاء والخطب والقصص ليلة الختم؛ لترك السلف إياه، والصلاة في رمضان أفضل من مذاكرة العلم؛ لأنه عمل السلف، وروي عن مالك العلم أفضل؛ لأنه فرض على الكفاية، وفي الكتاب: يكره إذا دخل أمام آخر أن يقرأ إلا من حيث وقف الأول؛ ليتسنى نظم المصحف، قال: وليس ختم القرآن من سنة القيام، قال سند: فلو أتم الختمة في ركعة وأراد ابتداءها في تلك الركعة، قال ابن القاسم: لا يقرأ الفاتحة، ويبتدئ بالبقرة؛ لأن الركن لا يكرر، والترتيل أفضل من الإسراع. وفي الكتاب: إذا شك في حرف فلا ينظره في مصحف بين يديه حتى يسلم، ويجوز أن يؤم من المصحف في النافلة، ويكره في الفريضة، وقاله (ش)، وأبطل (ح) الصلاة بالنظر في المصحف، وفي البخاري: كان خيارنا يقرأ في المصحف في رمضان، وانفراد الواحد لطلب السلامة من الرياء أفضل على المشهور مالم يؤد إلى تعطيل المساجد؛ لقوله - عليه السلام - في الصحيح: خير صلاة أحدكم في بيته إلا المكتوبة، وفي الجلاب: يقرأ في كل ركعة بالحمد وعشر من الآيات الطوال ويزيد في القصار، ويقرأ القرآن على نظمه في المصحف، ولا يقرأ أحزابا، ولا بأس بالصلاة بين الأشفاع في رمضان إذا كان الإمام يجلس بينها، وإلا فلا، ومن فاته العشاء مع الإمام فليبدأ بها وحده، وإن فاتته ركعة من الإشفاع قضاها مع الإمام في الشفع الثاني، يركع بركوعه ويسجد بسجوده يفعل ذلك إلى آخر صلاته - مؤتما به فيها، رواه ابن حبيب عن ابن القاسم - وهو بعيد - لإحرامه قبله، وسلامة أيضا قبله، أو يتواطأ فعله من غير ائتمام فيها رواه أشهب، وهو أصح؛ فإذا فرغ الإمام قضى المأموم ما بقي عليه من ذلك، وكذلك إن فاتته ركعة من ركعات الوتر معه خشية المخالفة، وحكى صاحب الوجيز من أصحابنا أنه يقضي وحده تلك الركعة الأولى؛ لئلا يخالفه في جملة الصلاة في الأداء، والقضاء - قاله سحنون وابن عبد الحكم - وهو أولى الأقوال. وفي الجواهر، قال القاضي أبو محمد: هو فضيلة، واستقرأ ابن محرز من قوله في الكتاب: ليسجدها بعد الصبح ما لم يسفر - أنه سنة وقاله (ش) وابن حنبل، وقال (ح): واجب على القارئ والمستمع محتجا بقوله تعالى: وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، والذم دليل الوجوب، ولأنه يترك له فعل الصلاة الواجبة، وما يترك الواجب له فهو واجب، والجواب عن الأول: ليس المراد القرآن كيف كان إجماعا، وإذا كان مخصوصا بحمل كتاب الله تعالى على السجود المجمع عليه في الخمس أولى من المختلف فيه. وعن الثاني: أن المتروك هو القيام في غير الفاتحة، وهو غير واجب، وفي الموطأ: أن عمر - رضي الله عنه - قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل، وسجد وسجدنا معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود؛ فقال: على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، ولم ينكره عليه أحد فكان إجماعا. فروع سبعة: الأول في الكتاب: سجود القرآن إحدى عشر سجدة ليس في المفصل منها شيء: المص، والرعد، والنحل، وبنو إسرائيل، ومريم، والأولى من الحج، والفرقان، والهدهد، وآلم تنزيل، وص، وحم تنزيل، قال القاضي في الإشراف وروى عنه أربع عشرة باقيها في المفصل، وقاله (ش)، و(ح)، وخمس عشرة ثانية الحج مكملتها، وفي الجواهر جمهور المتأخرين يعدون ذلك اختلافا، والقاضي أبو محمد يقول: السجود في الجميع مأمور به، وإنما الإحدى عشرة هي العزائم، قال صاحب البيان المفصل كله مكي قيل: أوله الحجرات، وقيل: (ق)، وقيل: الرحمن سمى بذلك لكثرة تفصيله ببسم الله الرحمن الرحيم بين السورتين، وفي الصحيحين: أنه - عليه السلام - سجد في النجم وسجد من كان معه، وفي إذا السماء انشقت، وفي اقرأ بسم ربك . وفي أبي داود عن عقبة بن عامر، قال: قلنا: يا رسول الله، فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما، والثانية عند قوله: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم . وذلك عند مالك محمول على النسخ؛ لإجماع قراء المدينة وفقهائها على ترك ذلك مع تكرر القراءة ليلا ونهارا، ولا يجمعون على ترك السنة، وفي أبي داود: إن - عليه السلام - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة، قال سند قال مالك و(ح): سجد عند قوله تعالى: رب العرش العظيم . وقال (ش) عند قوله تعالى ويعلم ما يخفون وما يعلنون . لنا أنه كلام متصل فيسجد عند آخره، والمذهب أنه في (ص) عند قوله تعالى وخر راكعا وأناب، وروى عنه عند قوله وحسن مآب، وفي الكتاب هو في تنزيل عند قوله تعالى إن كنتم إياه تعبدون - وقاله (ح وش) عند قوله تعالى وهم لا يسئمون . المدرك في ذلك أن السجود شرع عند أربعة أشياء: عند الأمر به، أو مدح الساجدين، أو ذم المستكبرين، أو الشكر كما في (ص)، والأمر هاهنا عندما ذكرناه. وفي الجواهر قال ابن حبيب: يسجد في الإنشقاق في آخر السورة، وقال القاضي عند قوله تعالى وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون . الثاني في الجواهر: يشترط فيها شرائط الصلاة إلا السلام والإحرام، ويكبر للخفض والرفع إن كان في صلاة، وإلا ففي التكبير في الكتاب ثلاثة أقوال: رجع عن عدم التكبير إليه، وخيره ابن القاسم، وفي أبي داود كان - عليه السلام - يقرأ القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه. وقال ابن حنبل يسلم. لنا القياس على الطواف وعمل السلف، والفرق بينه وبين سجود السهو: أنه من توابع الصلاة، فأعطي حكمها، وهي من توابع القراءة والقراءة ليس لها إحرام ولا سلام. الثالث في الكتاب: يسجد من قرأ السجدة في الصلاة وغيرها، وإن كان في غير إبان صلاة وغير متطهر فلا يقرأها ويتعداها؛ لما تقدم من قوله - عليه السلام -: من لم يسجدهما فلا يقرأهما، ومن جهة القواعد أن ملابسة السبب توجب توجه الأمر، فتركه حينئذ يقبح أما من لم يلابس السبب لا يكون تاركا للمأمور به، ويعوض عن القراءة قراءة أخرى، قال صاحب النكت: يترك ذكر السجود خاصة، وقال سند: يترك ما لا يغير المعنى ولا نظام اللفظ، وإذا تركها لعدم الطهارة فالمذهب لا شيء عليه، وقال ابن الجلاب: يقرؤها إذا تطهر أو خرج وقت النهي، ويسجد لها، والأظهر المذهب؛ فإن القضاء من شعار الفرائض، وفي الكتاب: يقرؤها بعد الصبح إلى الإسفار، وبعد العصر ما لم تتغير الشمس، وقاله (ش وح)، وقاس في الكتاب: على صلاة الجنازة، ومنع في الموطأ من ذلك للنهي عن الصلاة حينئذ، وحكى سند الفرق عن مطرف بين الصبح فيسجد قياسا على ركوع الطائف، وبين العصر فلا يسجد، والفرق للمذهب بينه وبين النوافل: الإختلاف في وجوبه، ويفعل في الصلاة وتترك له، ولأن النفل تبع للفرض وهو تبع للقراءة وهي جائزة حينئذ. تنبيه: فيه شبه الصلاة بالطهارة والسترة والقبلة والتكبير، وشبه القراءة من جهة عدم الإحرام والسلام، ولهذا الشبه جاز الطواف حينئذ لحصول فيه. قال في الجواهر: فإن لم يذكر حتى ركع في الأولى مضى على ركوعه، وقال أشهب: ينحط للسجود، وسبب الخلاف: هل تنعقد الركعة دون الرفع أم لا؟ وإن قصد بالركوع السجدة لم تحصل له؛ لأنه غير هيئتها، وأشار ابن حبيب إلى جواز ذلك، وإن قصد السجود فركع ففي اعتداده به قولان، وإن ذكر وهو منحن خر لسجدته، وإن لم يذكر حتى رفع لم يعتد بركعته عند ابن القاسم بخلاف مالك، وإن ذكر منحنيا رفع متمما للركعة، وإن ذكر بعد رفعه تمت ركعته، ويقرأ السجدة فيما بعد، وسبب الخلاف المتقدم أن نيته كانت للسجود، وهو نفل والركوع فرض، وفي إجزاء النفل إذا خرج من الفرض إليه خلاف، وإذا أعادها في الركعة الثانية، فهل قبل قراءة أم القرآن أو بعدها قولان للمتأخرين، وقال أشهب: يسجدها وإن سلم، وإن قصد السجود فركع وذكر وهو منحن فخر ساجدا، قال ابن حبيب: إن طال الركوع بالطمأنينة سجد بعد السلام؛ هذا إذا قلنا لا يعتد بالركعة أما إذا قلنا يعتد، فيقرأ السجدة فيما بقي من صلاته، ويسجد بعد السلام، وقال المغيرة: لا سجود عليه ورجحه المازري لعدم الزيادة هاهنا، قال سند: فإن لم يذكر السجدة حتى ركع في الثانية أتم نافلته، فإن شرع في غيرها قرأ السجدة وسجدها، ولا سجود عليه للإخلال بها في الأولى، وهو في التلقين؛ لأن السجود فضيلة، وفي الجلاب يسجد؛ لأنه سنة. الرابع في الكتاب: لا يقرؤها في الفريضة منفرد ولا إمام؛ لأنها زيادة في الصلاة، فإن قرأها الإمام سجد بهم، قال سند: قال ابن حبيب: يقرؤها في الفرض ويسجد، ويعيدها في الثانية إذا نسيها في الأولى، وحيث سجد فأعاد القراءة في الركعة الثانية سجد، وإن أعادها خارج الصلاة لا يسجد إلا في مجالس، أما المجلس الواحد فلا، ولو قرأ سجدات مختلفة في مجلس سجد لجميعها؛ فالركعات كالمجالس. وروى ابن وهب: يقرؤها الإمام في الفريضة، وقاله (ش)، وروى أشهب لا يقرؤها إلا أن يكون الجمع قليلا لا يخلط عليهم، وقال ابن حبيب: لا يقرؤها في السر بخلاف الجهر - وقاله (ح) وابن حنبل؛ لأن الجهر لا تخليط فيه، وفي الصحيحين: أنه - عليه السلام - كان يقرأ في صبح الجمعة بتنزيل السجدة هل أتى على الإنسان . ونحن نقول بموجبه فإن من قرأها سجدها، وإنما الخلاف هل يقصدها أم لا؟، وفي الجواهر يسجد الإمام في النافلة، وإن لم يأمن التخليط على المنصوص لفعل السلف ذلك في قيام رمضان، ثم إذا قرأ السجدة في الفريضة وإن كان ممنوعا فليجهر بها للإعلام، فإن لم يفعل فهل يتبع لوجوب متابعة الإمام أو لا يتبع لجواز أن يكون ساهيا؟ قولان للمتأخرين. الخامس: كره في الكتاب قراءة السجدة وحدها، قال صاحب النكت: إلا أن يضيف إليها جميع آياتها. قال المازري: المراد جملة آياتها؛ لأنها مقصودة للسجدة لا للتلاوة، وهو خلاف العمل. السادس في الكتاب: إذا لم يسجد القارئ يسجد المستمع، ويكره الجلوس للسجود خاصة، قال المازري واللخمي: يسجد السامع مع القارئ بخمسة شروط: بلوغ القارئ، وطهارته، وسجوده، وقراءته لا ليسمع الناس، وقصد الاستماع من السامع، وقال مالك في الموطأ: لا يتبع الرجل المرأة في السجود. وفي الجواهر: لا بد أن يكون أهلا للإمامة، قال سند: فإن سجدها المعلم والمتعلم، قال مالك: يسجد الآخر أول مرة فقط، وقال أصبغ: لا يسجد مطلقا؛ نظرا لأن هذا باب مشقة فيترك، ولو سها القارئ عن السجود فإن كان قريبا سجد، وإلا رجع إلى قراءة السجدة، وإذا لم يسجد الإمام ففي المستمع ثلاثة أقوال: يسجد عند ابن القاسم قياسا على سجود السهو، ولا يسجد عند ابن حبيب؛ لأنه تبع ولم يوجد الأصل، وخيره أشهب. السابع في الواضحة: يسجد الماشي، وينزل لها الراكب؛ إلا في سفر القصر فيومئ على دابته. سجدة الشكر مكروهة على المشهور عند بشارة أو مسرة وروي الجواز، وقال به ابن حبيب، وقال (ش وح): سنة. لنا أن النعم كانت متجددة على النبي - عليه السلام - والسلف وأعظمها الهداية والإيمان، ولو كانت سنة لواظب عليها فكأنت تكون متواترة، احتجوا بأنه - عليه السلام - سجد لفتح مكة، ولمجيء رأس أبي جهل إليه، ولوصول كتاب علي - رضي الله عنه - إليه بإسلام همدان. وفي البخاري: سجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله تعالى عليه. والعيد مأخوذ من العود لتكرره في كل سنة، وهو عندنا سنة مؤكدة، وعند (ح) واجب على الأعيان، وعند ابن حنبل فرض على الكفاية، قال الله تعالى: فصل لربك وانحر . جمهور المفسرين على أنها صلاة العيد، وظاهره الوجوب، وظاهر قوله - عليه السلام -: للسائل خمس صلوات فقال: هل علي غيرهن؟ قال لا، إلا أن تطوع يقتضي عدم الوجوب، وفي الكتاب: لا يؤمر بها العبيد، ولا الإماء، ولا النساء؛ لإنشغال الأولين بالسادات، وكشف النساء بالنسبة للجمع، قال: فإن شهدوها فلا ينصرفون إلا مع الإمام، كمن فعل بعض النافلة. وإذا لم يشهدها إلا النساء صلينها أفذاذا خلافا (ح)؛ لاعتقاده أنها لا تصلى إلا جماعة في موضع الجمعة. لنا القياس على الكسوف. قال سند، َويتخرجَ تحريهن: لوقت صلاة الإمام على الخلاف في الجمعة، وجمع الرجل بهن على الخلاف فيمن فاتته الجمعة هل يجمع أم لا؟ وفي الجواهر: إذا قلنا: لا يؤمر بها من لا يؤمر بالجمعة، ففي كراهة فعله لها أقوال، ثالثها: التفرقة بين الفذ فتكره، والجماعة فلا، وهي على أهل الآفاق، وقال سند: المشهور أن أهل القرى دون غيرهم في ذلك، وفي البيان: كره مالك السفر بعد الفجر يوم العيد إلا لعذر، قال: فلو طلعت الشمس لم يجز السفر كالجمعة يكره قبل الزوال ويحرم بعده. وقال مالك في كتاب الضحايا: إنما يجمع للعيدين من تلزمهم الجمعة؛ لأنه - عليه السلام - لم يصل العيدين بمنى كما لم يصل الجمعة. وإذا قلنا بشرط الاستيطان في البلد إن جمعوا بإمام فلا خطبة عليهم، وإن خطب فحسن، وعلى هذا يخرج قوله في المختصر يوتى للعيدين من ثلاثة أميال، وعلى القول الآخر يصلون مكانهم بخلاف الجمعة، ووقتها من حين تحل النافلة إلى الزوال، وفي الكتاب يخرج الناس إليها عند طلوع الشمس؛ لأن ما قبل ذلك زمن ذكر، وقياسا على الإمام، وقال (ش): بعد صلاة الصبح ليسبق الناس إلى المجالس، وفي الكتاب: يكبرون إذا خرجوا في الطريق إلى المصلى إلى خروج الإمام تكبيرا يسمعه من يليه، ولا يكبر إذا رجع، وقال ابن حنبل: يكبر بعد الصبح وعلقه باليوم، وقال (ش): من الليل، قال الله تعالى: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون . والعدة قد كملت بالغروب أو الفجر أول الأيام المتجددة أو يلاحظ عمل المدينة النبوية، وهو من الشمس؛ فمن راح قبل ذلك، فروى ابن القاسم في العتبية: لا يكبر ولا يؤتي به قبل وقته كالأذان، وفي الجواهر قيل: يكبر، وقيل: يختصر التكبير بما بعد الإسفار، ولم يحدده مالك؛ لأن الأمر ورد به مطلقا، واستحب ابن حبيب: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد على ما هدأنا، اللهم إجعلنا لك من الشاكرين؛ لقوله تعالى: ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون . وكان أصبغ يزيد: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. واختلف المتأخرون: هل يقطع التكبير بخروج الإمام في محمل العيد ماضيا إلى المصلى أو بعد حلوله في محمل الصلاة؟ وفي تكبيرة بتكبير الإمام في أثناء خطبته قولان، وفي البيان: يكبرون معه سرا في أنفسهم، وذلك حسن غير واجب، وقاله في الكتاب في الحج الأول. وفي الكتاب يخرج الإمام بقدر ما إذا بلغ المصلى حلت الصلاة، والفطر والأضحى سواء، وقال (ش): يؤخر الفطر قليلا لأجل إخراج الفطرة، ويعجل في الأضحى ليتسع الوقت للذبح، وعمل المدينة على ما ذكرناه، وفي المعونة غد والإمام بحسب قرب منزله، وبعده فيتقدمه الناس، وهو إذا وصل صلى، وفي الجلاب: المشي إليها أفضل من الركوب لما في الترمذي، قال علي - رضي الله عنه -: السنة أن يأتي لعيده ماشيا. وفي الكتاب: غسل العيدين مطلوب دون غسل الجمعة؛ لما روى مالك قال - عليه السلام - في جمعة من الجمع: يا معشر المسلمين، إن هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك فأمر بالغسل؛ لأنه عيد، ولولا أن العيد يغتسل له لما صح هذا التعليل، ولما كان العيد منخفضا عن الجمعة في الوجوب، وهو في وقت البرودة وعدم انتشار روائح الأعراق، انحط غسله عن غسلها، وفي الجواهر يغتسل بعد الفجر، فإن فعل قبله أجزأ. ويستحب الطيب والتزين للخارج للصلاة والقاعدين من الرجال، بخلاف الجمعة؛ لأن الزينة لها فمن بعد فلا. وفي العيد لليوم فيشترك فيه القاعد والخارج، وأما العجائز ففي بذلة الثياب، وإقامتها بالصحراء أفضل إلا في المسجد بمكة؛ لفضل المسجد الحرام، وقال (ش): المسجد أفضل. لنا ما في أبي داود، قال بكر بن ميسر: كنت أغدو من المسجد مع أصحاب النبي - عليه السلام - إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى. وفي الكتاب: ولا يصلى في المصر في موضعين؛ خلافا (ش) قياسا على الجمعة. ويقرأ فيها بسبح ونحوها، وفي الجواهر: استحب ابن حبيب (ق) واقتربت الساعة في الثانية، وقاله (ش)، وكلاهما في الصحاح، ويترجح المشهور بالتخفيف على الجمع، ويكبر في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية ستا بتكبيرة القيام، فالزوائد عند مالك وابن حنبل وأهل المدينة إحدى عشرة، وعند (ش) اثنتا عشرة: سبع في الأولى وخمس في الثانية؛ محتجا بما يروي عن عائشة - رضي الله عنها -: كان - عليه السلام - يكبر في العيدين اثنتى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الدخول في الركوع. وهو إن صح معارض بعمل المدينة وعند (ح) ست: ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية، وهو في أبي داود عنه - عليه السلام -. لنا ما في أبي داود: كان - عليه السلام - يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات. قال: ويفصل بين التكبيرات بقدر ما يكبر الناس - وقاله (ح)، وقال (ش): يفصل بين كل تكبيرتين بقدر سورة وسط بالتهليل والتحميد محتجا بأنه مروي عن ابن مسعود، ولأنه تكبير تكرر حالة القيام فلا يوالى كتكبير الجنازات. لنا عمل المدينة، فلو كان - عليه السلام - يفعله لنقل كما نقل فطره قبل الفطر، ورجوعه من غير الطريق، وغير ذلك، وبالقياس على التسبيح في الركوع والسجود، ولا يرفع يديه إلا في الأولى، قال سند: وروى عنه الرفع في الجميع وقاله (ش وح) وابن حنبل، وقد تقدم الكلام في هذا الفصل. قال المازري: والقراءة بعد التكبير خلافا (ح) في الأولى محتجا بما في الحديث: أنه - عليه السلام - وإلى بين القراءتين، والجواب: منع الصحة؛ لنا ما روي عنه - عليه السلام - كبر يوم الفطر سبعا في الأولى، ثم قرأ، ثم كبر في الآخرة خمسا، ثم قرأ. وفي الكتاب يخطب بعد الصلاة؛ لما في الموطأ: أنه - عليه السلام - كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة، والفرق بينها وبين الجمعة من ثلاثة أوجه: الأول: أن خطبة الجمعة شرط فيها، وشأن الشرط التقديم بخلاف العيد. الثاني: أن فوات الجمعة عظيم؛ فقدمت الخطبة حتى يتكامل الناس. الثالث: أن العيد لا يجب؛ فلو قدمت فربما سئم بعض الناس فيترك الصلاة فعجلت، ووجوب الجمعة يمنع ذلك، والفرق بينها وبين عرفة أن خطبة عرفة لتعليم المناسك، والتعليم يتقدم العمل، وفي الجواهر: أن بدأ بها قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة، فإن لم يفعل أجزأه لعدم شرطيتها، قال المازري: ويكبر في الخطبة بغير حد، والثانية أكثر من الأولى، وقال ابن حبيب يفتتحها بسبع اتباعا، ويختمها بثلاث وكذلك الثانية، قال: ويذكر في خطبة الفطر الفطرة وسننها، وفي الأضحى الأضحية وسننها وزكاتها ويحضهم عليها، وفي الكتاب: إن سها في خطبة استخلف من يتمها. فائدة. كل صلاة فيها خطبة يجهر فيها؛ لأن الجهر والخطبة كلاهما إظهار للشعائر فتلازما إلا صلاة عرفة؛ لأن خطبتها للتعليم لا للشعائر، فكأنت الصلاة فيها سرا. فروع ستة: الأول: في الكتاب: يستحب الأكل قبل الغدو للفطر بخلاف الأضحى، وفي الترمذي كان - عليه السلام - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، والفرق أن الفطر يتقدمه الصوم فشرع الأكل فيه لإظهار التمييز ولأن صدقة الفطر قبل الصلاة، وصدقة الأضحية بعد الصلاة؛ فسوى الشرع بين الأغنياء والفقراء في الحالة، وليكون الفطر في الأضحى على لحم القربة، قال سند: واستحب الباجي و(ش) أن يكون بتمر، ويروى: أنه - عليه السلام - كان لا يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر. الثاني في الكتاب: الأحسن الخروج من طريق والرجوع من غيره؛ لما في الصحيحين: كان - عليه السلام - إذا خرج يوم عيد من طريق يرجع من غيره، وهو معلل بكثرة الزحام في الطريق الأعظم أو الغبار؛ أو ليشهد له الطريقان؛ أو ليسوي بين أهل الطريقين في التبرك والاستفتاء؛ أو لتعم الصدقة مساكين الطريقين؛ أو لإظهار كثرة أهل الإسلام وانتشارهم. الثالث في الكتاب: يستحب لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على هيئتها، قال سند: فإن أدرك الخطبة، قال مالك: يسمعها كمن أدرك شيئا من الصلاة، فإن فاتت جماعة، قال سحنون: لا يجمعون؛ لأن العيد يجري مجرى الجمعة بدليل الاجتماع والخطبة فيهما، وسدا لذريعة إنقطاع المبتدعة عن السنة، وقال ابن حبيب: يجمعون كصلاة الخسوف، وإذا قلنا يجمعون فبغير خطبة، فإن فاتته الأولى فالمشهور يقضيها بتكبيرها، وقال ابن الماجشون: لا يقضي التكبير إلا في الجنازة؛ لأنه بدل الركعات، ووافق فيمن فاته الركعتان بسبب أنه غير قاض، وإذا قلنا يكبر فإنه يقوم بغير تكبير عند ابن القاسم؛ خلافا لعبد الملك؛ فإن قلنا إن الذي يأتي به آخر صلاته كبر خمسا، وإن قلنا قضاء فستا فإن لم يفته إلا بعض التكبير، قال مالك وابن حنبل و(ح): يقضيه خلافا لعبد الملك و(ش)؛ لأن التكبير يأتي به المأموم مع جهر الإمام فلا يحمله عنه بخلاف القراءة، وفي الجواهر: لو نسي تكبير ركعة فلا يتدارك في الركوع ولا بعده؛ لأن القيام محله قياسا على القراءة، ويسجد قبل السلام، وقيل: يتداركه ما لم يرفع رأسه، وقال (ح)؛ لأنه على تكبير العيد؛ لأن تكبير الركوع منه ويدرك به العيد عنده، فإن تذكر قبل الركوع كبر وأعاد القراءة ويسجد بعد السلام، وقيل: لا يعيدها، ولو أدرك المسبوق القراءة، قال ابن القاسم و(ح): يدخل معه ويكبر سبعا، وإن وجده راكعا دخل معه وكبر واحدة، وإن وجده قائما في الثانية كبر خمسا، وقال ابن وهب: واحدة، قال ابن حبيب: إن أدركه في قراءة الثانية كبر خمسا غير الإحرام، وإذا قضى كبر ستا، والسابعة قد كبرها للإحرام، وإذا فاتته صلاة العيدين فلا تقضى بالزوال خلافا (ح وش)؛ محتجين بما في النسائي: أن قوما رأوا الهلال نهارا فأمرهم - عليه السلام - أن يفطروا ويخرجوا من الغد. وجوابه يحمل الخروج لمجرد الزينة، ولو كانت تقضى لقضيت بعد الزوال في يومها لقربه. وفي الثالث والرابع كسائر المقضيات، والقياس على الجمعة بجامع الخطبة أو إظهار الشعائر. الرابع في الجواهر: لا يتنفل قبلها ولا بعدها في المصلى وقاله (ح)، ولم يكرهه (ش) لغير الإمام، ويتنفل قبلها وبعدها في المسجد، قال سند: واستحب ابن حبيب ألا يتنفل ذلك اليوم إلى الظهر، وهو مردود بالإجماع، وروى أشهب: لا يتنفل قبلها في المسجد كالمصلى ويتنفل بعدها؛ لأن قبلها وقت شرع للذكر فلا يتنفل فيه كوقت الخطبة. لنا ما في الصحيحين: أنه - عليه السلام - خرج يوم الأضحى فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، زاد أبو داود يوم الفطر، وقياسا على الإمام وعلى صلاة الجنازة، وإذا قلنا بالتنفل في المسجد قبلها فيلغى للإمام بل أول ما يقدم يبدأ بالصلاة. الخامس في الكتاب: يكبر أيام التشريق الرجال والنساء والمنفرد والمسافر وغيره خلف الصلوات المكتوبات، ويكبر المسبوق بعد القضاء كسجود السهو، ومن نسيه أتى به إن كان قريبا، وإلا فلا، وقاله (ح)، وقال (ش): يكبر وإن بعد ورأى أن التكبير من شعائر الأيام وهي باقية، وعندنا من شعائر الصلوات في الأيام، قال مالك في المختصر الكبير: الطول مفارقة المجلس، وفي الكتاب: إن لم يكبر الإمام كبر الناس كسجود السهو، والأصل فيه قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات، قال سند: لا يكبر إذا قضى صلاة في أيام التشريق، ولا إذا قضى صلاة أيام التشريق فيها خلافا (ش) فيهما، ولا إذا قضاها هي في غيرها. فائدة. سميت أيام التشريق من شروق الشمس في أول يوم يقوم من باب مجاز تسمية الكل باسم الجزء، وقيل: من تشريق اللحم وهو نشره ليجف بالشمس. وفي الكتاب: أول التكبير صلاة الظهر من يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق، وقاله (ش)، وقال (ح): يبدأ بعد الصبح من يوم عرفة. لنا قوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله . ويوم عرفة لم تقض فيه المناسك، وإنما تقضى بعد صبح العيد، وفي الجواهر: لا يكبر دبر الصلوات النافلة، وروى عن مالك يكبر، وقيل: يكبر دبر الظهر من اليوم الرابع، ونقل أبو الطاهر قولا بالتكبير في سائر الأوقات قياسا على أهل منى. السادس: قال سند: سئل مالك عن قول الرجل لأخيه يوم العيد: تقبل الله منا ومنك؟ فقال: لا اعرفه لا أنكره، وكرهه غيره، وروى عنه - عليه السلام -: أنه فعل اليهود، ولا ينكر في العيد لعب الغلمان بالسلاح، والصبية بالدفوف؛ لما في الصحيحين بينما الحبشة يلعبون عند النبي بحرابهم، دخل عمر - رضي الله عنه - فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، قال له - عليه السلام -: دعهم يا عمر، وكره مالك لعبهم في المسجد، ويحمل الحديث أنهم كانوا يرون من المسجد، وفيهما عن عائشة - رضي الله عنها -: أن أبا بكر دخل عليها في أيام منى وعندها جاريتان تضربان بالدف، والنبي - عليه السلام - مسجي عليه بثوب، فانتهرهما، فكشف - عليه السلام - وجهه، فقال: دعهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد. الأجود كسفت الشمس، وخسف القمر، وقيل بالعكس، وقيل: هما في ذلك سواء، وقيل: الكسوف تغير لونهما، والخسوف ومغيبها في السواد، وقيل: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض، ويقال: خسف بالفتح وبالضم على ما لم يسم فاعله، وانكسفت الشمس، وأنكره بعضهم بالألف، وأصل الكسوف التغير، ومنه كاسف البال أي متغير الحال، والخسف: الذهاب بالكلية ومنه قوله تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض . والخسف: النقص، ومنه رضي بخطة خسف، ولما كان القمر يذهب جملة ضوؤه كان أولى بالخسوف من الكسوف، وفي الجواهر صلاة الكسوف سنة على الرجال والنساء والعبيد ومن عقل الصلاة من الصبيان، وتصليها المرأة في بيتها، وقال (ح): واجبة. وفي الجلاب روى ابن القاسم وقتها وقت العيدين قياسا عليهما وعلى الاستسقاء بجامع أن هذا وقت ليس بشيء من الفرائض، فجعل السنن المستقلة تمييزا لها عن النوافل التابعة. وروي إلى غروب الشمس، وقاله (ش)؛ لعموم قوله - عليه السلام -: فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وقياسا على الجنازة، وروي إلى العصر؛ لقوله - عليه السلام -: لا صلاة بعد العصر . قال سند: فإن طلعت مكسوفة لم يصل حتى تحل النافلة خلافا (ش)، للنهي عن الصلاة حينئذ، ولمالك في كونهم يقفون ويذكرون قولان، فلو كسفت عند الغروب وغربت الشمس، كذلك لم تصل إجماعا، والفرق ذهاب رجاء نقصها لذهاب النهار، وحكمة الصلاة أن يعود إليها ضوؤها ومنفعتها، وفي الجواهر تفعل في المسجد دون المصلى وقاله (ش)، وخير أصبغ بينه وبين صحته وبين القضاء وقاله (ح). لنا ما رواه ابن وهب: قالت عائشة - رضي الله عنها -: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرح إلى المسجد فقام وكبر، وصف الناس خلفه - الحديث . والفرق بينها، وبين العيدين والاستسقاء: أن وقتها ضيق لا يجتمع له أهل القرى والمصر؛ فلا يضيق المسجد عليهم، ولأن الخروج إلى المصلى قد يفوتها بتجلي الشمس. وفي الكتاب لا يجهر بقراءتها، وقاله (ش وح) خلافا لابن جنبل. لنا ما في الموطأ قال ابن عباس: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى والناس معه؛ فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله . فقوله نحوا من سورة البقرة يدل على السر، وإلا فلا حاجة إلى التقدير، وفي الجلاب: يقرأ في الركوع الأول بسورة نحوا من البقرة، وفي الثاني بنجو آل عمران، وفي الثالث بنحو النساء، وفي الرابع بنحو المائدة، وفي الجواهر: هي ركعتان، في كل ركعة ركوعان وقيامان، يقرأ في كل ركوع الفاتحة، وقاله (ش)، وقال (ح): ركعتان طويلتان كصلاة الصبح، وهو مروي في أبي داود. وجه الجمع بينه وبين الحديث الموطأ؛ أنه يحتمل أنه فعل ذلك بعد انقضاء الصلاة، وقال ابن مسلمة: لا تكون الفاتحة في الركوع الثاني، ولا في الرابع؛ لأن الركعتين ركعة واحدة. لنا القياس على كل قراءة بعد ركوع، قال: فإن تجلت الشمس في أضعاف الصلاة، قال سحنون: يتمون مثل سائر النوافل لزوال السبب، وقال أصبغ: كما ابتدأوا نظرا للشروع. فروع ستة: الأول في الكتاب: إذا فرغ منها والشمس على حالها لا تعاد، ولكن الذكر والتنفل؛ لأن الكسوف سبب له سبب واحد وقد فعل فيسقط حكمه، وفي أبي داود: أنه - عليه السلام - جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلت الشمس، ولا خطبة لها عندنا خلافا لـ (ش). لنا حديث ابن عباس المتقدم ولم يذكر الخطبة. الثاني في الكتاب: لا تفوت الركعة بفوات ركوعها الأول: خلافا (ش)، ومن فاتته ركعة قضاها بركوعين وسجدتين؛ أحتج (ش) بأن الإمام إنما يحمل القراءة دون الركوع. جوابه: أن الركوع الثاني هو الركن لتوسطه بين القراءة والسجود، وتوسط الأول بين القراءة فله حكمها، أو الركوعان كالركوع الواحد والمدرك لبعض الركوع مدرك إجماعا، قال سند: فإن سها عن الركوع الأول وركع الثاني بنية الثاني سجد قبل السلام، وإن ركعه بنية الأول وترك الثاني؛ فإن ذكر قبل عقد الثانية رجع إلى الأولى، وإلا بنى وجعل الثانية أولى وسجد بعد السلام. الثالث: قال ابن القاسم في الكتاب: أحب إلي أن يطول السجود وقاله (ش)، قياسا على الركوع، قال سند: قال مالك: لا يطول؛ لأن الحديث السابق لم يذكر فيه التطويل بل قال فسجد؛ ولأنه لم يكرر فلا يطول، وإذا قلنا بالطول فلم يفعل، سجد قبل السلام لترك سنة. الرابع في الكتاب: صلاة خسوف القمر كسائر النوافل ويدعون ولا يجتمعون، وقاله (ح)، وقال (ش): يستحب لها الجمع والخطبة مثل صلاة الكسوف. لنا عمل المدينة، وقد خسف القمر مرات على عهده ولم ينقل عن الجمع، وحكى اللخمي عن ابن الماجشون: أنها كصلاة الخسوف وتصلى أفذاذا، والمشهور أنها تصلى في البيوت، وروي عن مالك: أنها تصلى في المسجد أفذاذا، قال سند: ووقتها الليل كله فإن طلع مكسوفا بدأ بالمغرب، وظاهر قول مالك عدم افتقارها إلى نية تخصها، بخلاف الكسوف فإن انكشفت عن الفجر لم يصلوا خلافا (ش)؛ لقوله - عليه السلام -: إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، ولأن المقصود من الصلاة رد ضوئه ليلا؛ لتحصل مصلحته وقد فات ذلك، ولو كسف فلم يصلوا حتى غاب بليل لم يصلو خلافا (ش)؛ لأن منفعته لا تعود. الخامس في الجواهر: لا يصلى للزلازل وغيرها من الآيات، وحكى اللخمي عن أشهب الصلاة واختاره. السادس في الجواهر: إذا اجتمع عيد وكسوف قدم الكسوف، وفيه سؤالان: الأول: أن اجتماعهما محال عادة، فإن كسوف الشمس إنما يكسف بالقمر إذا حال بيننا وبينها في درجتها يوم تسع وعشرين، وعيد الفطر يكون بينهما نحو ثلاثة عشرة درجة منزلة، والأضحى يكون بينهما نحو مائة وثلاثين درجة وعشر منازل، نعم يمكن عقلا أن يذهب ضوء الشمس بغير سبب أو بسبب غير القمر، كحياة إنسان بعد قطع رأسه أو إخلاء جوفه، الكلام على مثل هذا منكر بين الفقهاء مع أن الشافعي وجماعة من العلماء تحدثوا فيه. السؤال الثاني: أنه ذكر في باب التطوع أن العيدين آكد من الكسوف، وهو مناقض لتقديمه، وجوابه: أن الكسوف يخشى ذهاب سببه بخلاف العيدين، كما نقدم جواب الأذان على قراءة القرآن خشية الفوات، فإن اجتمع كسوف وجمعة؛ قدمت الجمعة عند خوف فواتها، وإن أمن قدم الكسوف، وتقدم الجنازة على الكسوف والجمعة، إلا أن يضيق وقتها. قال أبو الطاهر: ويقدم العيدان على الاستسقاء؛ لأن وقتهما يفوت والمطلوب فيهما الزينة وفيه الخمول، والجمع بينهما متناقض. والاستفعال غالبا لطلب الفعل، نحو الاستفهام لطلب الفهم، والاسترشاد لطلب الرشد، والاستسقاء طلب السقي، وهي عندنا سنة خلافا (ح). لنا ما في أبي داود، قالت عائشة - رضي الله عنها -: شكا الناس إلى النبي - عليه السلام - قحط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج - عليه السلام - حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين؛ الذي لا إله إلا هو يفعل ما يريد؛ اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب، أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين؛ فأنشأ الله سبحانه - سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول . وفي الكتاب: صلى ضحوة فقط، قال سند: قال ابن حبيب: وقتها وقت صلاة العيدين، فيحتمل أن يكون تفسيرا لقول مالك، وقال (ش): تفعل بعد الزوال. لنا الحديث المتقدم والقياس على العيدين، ونقل أبو الطاهر إيقاعها بعد الزوال وبعد المغرب قولان في المذهب. وفي البيان قال مالك: لا بأس بالاستسقاء بعد المغرب والصبح، قال: يريد به الدعاء لا البروز إلى المصلى؛ لأن السنة فيه الضحى. وفي الجواهر: يستحب أن يأمر الإمام قبلها بالتوبة، ورد المظالم، وتحلل الناس بعضهم بعضا؛ لأن الذنوب سبب المصائب؛ لقوله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، وسبب منع الإجابة كما جاء في الحديث، ويأمرهم بالصدقة والإحسان للفقراء فالعبد يجازى من جنس عمله، فمن أطعم أطعم، ومن أحسن أحسن إليه، ولا يزال الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، قال سند: واختلف قول مالك في تقديم الصوم قبل الاستسقاء، قال ابن حبيب: ويصبحون صياما وقد فعله عمر، واستحبه (ش) ثلاثا؛ لما روي: أن دعوة الصائم لا ترد، ويخرجون مع الإمام في ثياب البذلة والمهنة، عليهم السكينة والوقار، شعارهم الخشوع والخوف، قال أبو الطاهر: والمشهور أن الإمام لا يكبر عند خروجه إليها، وقيل: يكبر قياسا على صلاة العيدين، وفي الكتاب: لا يخرج بمنبر ولكن يتوكأ الإمام على عصا، وأول من أحدث المنبر من طين في المصلى للعيدين عثمان بن عفان، وقال أشهب: في المجموعة ذاك واسع للحديث السابق. وفي الجواهر: المشهور إخراج الصبيان والبهائم والنساء التي لا تخشى فتنتهن غير مشروع، وقيل: مشروع؛ لتكثير أسباب الرحمة، ولا خلاف في منع من تخشى فتنته من النساء. ومنع في الكتاب الحيض، وجوز أهل الذمة؛ لأنهم يرزقون كما نرزق، وفي الجواهر: منعه أشهب دفعا للفتنة عن ضعفاء الإسلام، ولأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بأعدائه، وجوز القاضي عبد الوهاب و(ش) خروجهم منفردين بيوم إخفاء لشعائرهم، ومنعه ابن حبيب لئلا يحصل السقي في يومهم فيفتن الناس، ويستسقى للجدب، وحياة الزرع، ولشرب الناس أو شرب البهائم، أو لتكامل الكفاية بالماء، أو لمجيء النيل، ولتكرير الاستسقاء إن احتيج إليه لحصول الحاجة في الجميع، وفي الموطأ: كان - عليه السلام - يقول: اللهم اسق عبادك، وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت . وجوز اللخمي و(ش) استسقاء المخصب للمجدب، وتوقف فيه المازري دون الدعاء المجرد لكونه بدعة. وفي الكتاب: يقرأ فيهما بسبح والشمس وضحاها ونحوهما - وقاله ابن حنبل، وقال (ش): بـ (ق)، وفي الثانية بـ: اقتربت الساعة . لنا المقصود الدعاء والاستغفار، فيوجد في الصلاة، ولا يكبر فيها عندنا خلافا (ش)؛ لأنه لم يرو، ويبدل التكبير بالاستغفار - قاله في الجواهر؛ لقوله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا، فجعل الاستغفار سبب الإمطار، وفي الكتاب يخطب بعد الصلاة خطبتين كالعيدين. قال صاحب المنتقى: وكان يقول يخطب قبل الصلاة، وكلاهما مروي في الحديث، والأشهر ألا يطول؛ لأن التقرب قبل المسألة أنسب، والفرق بين الجمعة وبين الاستسقاء والعيدين: أنها شرط فيها بخلافهما، والشرط يتقدم، وفي الكتاب: إن أحدث في الخطبة تمادى لعدم اشتراط الطهارة في الخطبة، ولا تتصل بصلاة بخلاف الجمعة، وإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة مكانه، وحول رداءه فيجعل الذي على اليمين على اليسار، والذي على اليسار على اليمين - خلافا (ح)، ولا يقلبه فيجعل الأسفل أعلى، وقال في المجموعة: يحول بين الخطبتين وقاله (ش)؛ لأن الدعاء بعد الخطبة الأولى خطبة، ونقل أبو الطاهر التحويل بعد الخطبتين؛ لئلا تفصل الخطبة بعمل ليس منها، وفي الكتاب يحول الناس أرديتهم وهم جلوس إذا حول الإمام؛ للتفاؤل بتحويل الحال، قال سند: قال ابن الماجشون: ولا يحول النساء. وصفة التحويل: أن يأخذ بيمينه ما على عاتقه الأيسر ويمره من ورائه فيضعه على الأيمن، وما على الأيمن على الأيسر، وفي الكتاب: ثم يدعو قائما ويدعون وهم قعود، قال اللخمي: ولا يدعى للأمير بل يخلص الأمر لله، قال سند: ويستحب لمن قرب منه أن يؤمن على دعائه، وروي عن مالك: أنه يرفع يديه وبطونهما إلى الأرض، وروي عنه بطونهما إلى السماء، ويفعل الناس مثله جلوسا، ويجهر بالدعاء؛ لأن دعاءه - عليه السلام - سمع فنقل، ويكون الدعاء بين الطول والقصر،؛ وفي الكتاب يتنفل قبلها وبعدها، قال سند: كره ابن حبيب ذلك قياسا على العيدين، والفرق أن الاستسقاء طلب للغفران؛ فإن الجدب بسبب الذنوب فحسن فيه القربات، ومن أدرك الخطبة وفاتته الصلاة جلس لها ولا يصلي، وهو بالخيار بعد ذلك في الصلاة؛ لأنها بقية نافلة مطلقة. قال سند: وهي عندنا رخصة لا سنة، ويجوز فعل الثلاثة لها - خلافا (ش) محتجا بأن أقل الطائفة ثلاثة، والقرآن دل على طائفتين، وجوابه: أنه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، والعلة موجودة في الثلاثة فيحرس واحد ويصلي اثنان، والقتال ثلاثة: واجب؛ كقتال أهل الشرك والبغي ومن يريد الدم على الخلاف، ومباح؛ كمريد المال، وحرام؛ كقتال الإمام العادل والحرابة. فالواجب والمباح سواء في هذه الرخصة ولا يترخص في الحرام. وفي الجواهر في جواز إقامتها في اتباع الكفار منهزمين أقوال. ثالثها: التفرقة بين خوف عودتهم وأمنها، والمشهور استواء المسافرين والمقيمين في رخصتها لضرورة الاحتراس من العدو في الحالتين. وقال ابن الماجشون: لا يقيمها الحضري؛ لأنه - عليه السلام - يوم الخندق أخر الصلاة ولم يصل صلاة الخوف، وكان في غزواته يصليها. جوابه: أن آية الخوف إنما نزلت بعد ذلك، وضابطها: أن الخوف المبيح إذا حصل قسم الإمام الناس طائفتين: أحداهما تحرس، والأخرى يصلى بها شطر الصلاة إن كانت رباعية في الحضر، أو ثنائية في السفر وفي الصبح، والثلاثية في المغرب على ما يأتي بيانه، قال المازري: ويجوز أن يصلي البعض بإمام، والبعض الآخر أفذاذا، وأخذ الباجي من هذا جواز طائفتين بإمامين؛ لأنه إذا جاز أن يخالف الإمام فيصلي ومنه جاز أن يجمع، والأصل فيها قوله تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك - الآية. وفي القبس: صلاها - عليه السلام - أربعة وعشرين مرة. فروع سبعة: الأول في الكتاب: يصلي بالطائفة الأولى من المغرب ركعتين ويتشهد، ويتمون لأنفسهم وهو قائم؛ لأن صلاة الخوف مبنية على التخفيف؛ فلو صلى بالأولى ركعة لاحتاجت الثانية إلى ثلاث تشهدات، ولأن الأصل في هذه الرخصة التشطير بين الطائفتين؛ فكأنت الأولى أولى بتكميل الركعة الوسطى لسبقها، ولأنها أعطيت حكم الركعة الأولى لا الثانية؛ بدليل القراءة والجهر، قال: ويصلي بالثانية ركعة ويسلم ويقضون بالحمد وسورة. قال سند: فلو صلى المغرب بكل طائفة ركعة جهلا أو عمدا، قال سحنون: بطلت صلاته وصلاتهم لتركه سنتها، وقال ابن حبيب: تصح؛ لأن طول القيام مشروع، وإذا قلنا تصح، قال ابن حبيب: تبطل صلاة الأولى لمفارقتها الإمام في غير موضع المفارقة، وتصح صلاة الثانية والثالثة لمفارقتهم في موضع المفارقة، وفي الجواهر: إذا صححنا صلاة الآخيرة فيجتمع عليها البناء والقضاء فتبدأ بالبناء عند ابن القاسم، وبالقضاء عند أشهب، وأما انتظاره قائما إذا صلى بالأولى ركعتين فلان الجلوس الأول يستحب فيه التخفيف بخلاف القيام، وقد كان يقول ينتظرهم جالسا لتدرك الطائفة الثانية أول الركعة الثانية، وإذا فرعنا على الأول ففي الجواهر: يخير بين أن يدعو أو يسكت ما بينه، وبين إحرام الثانية، وألا يقرأ؛ لأن قراءته بالحمد وحده، فلو كان انتظاره في الثانية كما في الصبح أو صلاة السفر، خير بين السكوت والدعاء والقراءة التي لا تتم حتى تدركها الطائفة الثانية، قال سند: فلو ركع قبل أن يأتوه لأجزأه؛ لأن صلاة الخوف رخصة فله تركها، ولا تبطل صلاة الطائفة الأولى وإن وقع الخلاف في كونه صلى صلاة أمن، وصلوا صلاة خوف لمفارقتهم قبل المخالفة، قال: والطائفة الأولى يصلون بعد مفارقته أفذاذا، فلو أمهم أحدهم؛ قال ابن حبيب: صلاتهم فاسدة، بخلاف من أمهم وهو على ما مر في المسبوق؛ فإن فات بعض الطائفة الأولى الركعة الأولى من المغرب فلا تقضى الركعة إلا بعد سلام الإمام، وتقف حتى يفرغ، قاله ابن القاسم؛ لأنه لم يعقد معه نصف الصلاة، والمخالفة إنما شرعت بعد ذلك، ورجع سحنون إلى هذا بعد قوله: لا ينتظره؛ لأنه من الطائفة الأولى، وركعتا الإمام في حكم صلاة تامة بالنسبة إليهم، وقال مالك وجميع أصحابه، و(ش)، وابن حنبل: يثبت الإمام حتى يتموا صلاتهم، إلا أشهب قال: ينصرفون إلى وجه العدو،هم في الصلاة، وتأتي الثانية فيصلي بها بقية الصلاة وترجع إلى العدو وهم في الصلاة، ثم تأتي الأولى إلى موضع الإمام فتتم صلاتها منفردة، ثم تنصرف إلى العدو، وتأتي الأخرى إلى موضع الإمام فيتم، وقاله (ح)، وهو في أبي داود عنه - عليه السلام -؛ قال الحنفية وهذا أولى؛ لأن المأموم لا يفارق إمامه قبل فراغه، والمشي معهود في الرعاف. وجوابهم أن إمامته انقضت في حكم هذه الصلاة. وما ذكرناه في الموطأ ومسلم عنه - عليه السلام -، وهو على ظاهر قوله تعالى: فلتقم طائفة منهم معك . وهو يبطل قول الشافعي في إحرامه بالجميع إذا كان العدو من جهة القبلة - والمسلمون فيهم كثرة، ولا مانع من النظر إلى الكفار. وقوله: ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك يقتضي كمال الصلاة معه حتى يسلموا بسلامه وهو أحوط للصلاة؛ فإن على قولهم يدخل فعل كثير في الصلاة ويستدبر القبلة وهو أحوط للحرب. فإن الحرس إذا لم يكونوا في صلاة تمكنوا من القتال التام، قال ابن القاسم: لو زال الخوف أتم بالطائفة الأولى صلاة أمن، وتصلى الطائفة الأخرى بإمام آخر؛ لأنه أحرم بنية صلاة الخوف، وهو لا يحرم بنية صلاة الأمن؛ كالمريض يحرم جالسا ثم يصح فيقوم، فلا يحرم أحد معه، ثم رجع فجوز الدخول معه؛ لأن الصلاة أولا انعقدت في حق الجميع وهذا الأمن عارض، فإن قام ينتظر الطائفة الثانية فوالى الخوف، قال ابن مسلمة: من أتم وانصرف أجزته، ومن لم يتم لم يفارق الإمام ولا ينتظر الإمام أحدا، قال اللخمي: إن ذهب الخوف بعد ركعتين وهي رباعية وبعضهم لم يصل شيئا، وبعضهم صلى ركعة، وبعضهم صلى ركعتين؛ اتبعه من لم يصل ركعتين ويمهل من صلى ركعة حتى يصليها الإمام، ثم يتبعه في الرابعة، ويمهل من صلى ركعتين حتى يسلم بسلام الإمام، قال: وهذا معنى قول ابن مسلمة: وإذا صلى بالثانية، ففي الكتاب يتمون بعد سلامه، وقاله ابن حنبل قياسا على المسبوق، وروى عنه يتمون قبل سلامه، وسلم بهم أجمعين لتجوز التحليل كما جازت الأولى للإحرام، وفي الباب أحاديث صحيحة متعارضة تدل على جميع ما ذكرناه، وإنما النظر في الترجيح، وإذا قلنا بغير المشهور، قال مالك: يقومون بإشارته بعد التشهد. الثاني في الجواهر: إذا اختلف الإمام والمأموم في السفر والإقامة؛ صلى بالأولى ركعة إن كان مسافرا؛ لأنها شطر صلاته، واثنتين في غير الثانية إن كان حضريا؛ لأن الإمام هو المتبوع وأتم المسافر والمقيم ما بقي من صلاة نفسه. الثالث: إذا لم تمكن التفرقة وخافوا إن اشتغلوا بالصلاة دهمهم العدو وانهزموا؛ صلوا على ما يمكنهم رجالا وركبانا إلى القبلة، وغيرها على الدواب وعلى الأرض، وإيماء إن لم يقدروا على الركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، وقاله (ش)، ومنعهم مشاة وفي حالة المسايفة؛ لبطلان الصلاة بكثرة العمل، ولانصراف النفوس عن الصلاة. لنا قوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا معضودا بقول ابن عمر في الموطأ: فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، قال نافع: لا أراه حدثه إلا عنه - عليه السلام -، وقياسا على من لازمته النجاسة أو المرض، واشترط في الجواهر صلاة المسايفة خوف فوات الوقت، وأباح كل ما يحتاج إليه من قول أو فعل أو حمل سلاح متلطخ بالدم إلا عند الغني عنه، قال سند: فإن صلى على الدابة ركعة ثم أمن نزل وأتم الصلاة؛ كالمريض يقوى في أثنائها، فإن صلى ركعة بالأرض ثم اشتد الخوف، ركب وبنى؛ خلافا (ش) محتجا بأنه عمل كثير، ونحن نقيس الركوب على المشي، قال أشهب: ولهم أن يجمعوا على الدواب بطائفتين إن أحوجوا لذلك، وقاله (ش)، وقال (ح): لا يجمعون، وإن أتاهم العدو في الصلاة فرموه بالنبل وانهزموا لم تبطل. الرابع: قال لو ظنوا سوادا عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم تبين خلافه، قال أشهب: أجزتهم، واستحب ابن المواز الإعادة في الوقت؛ لأن الخوف سبب الرخصة وهو موجود، وقال (ح وش): تجب كظان الطهارة وهو محدث، والفرق أن الطهارة شرط وهي مفقودة، والخوف سبب وهو موجود، ولو تحققوا العدو فصلوا، ثم تبين في الصلاة أن بينهم نهرا يمنعهم من الوصول، أجزتهم على قول أشهب لوجود الخلاف، ولا تجزيهم على الآخر؛ لأنهم مفرطون في تعرف النهر. الخامس: قال لو انهزموا من العدو وكان العدو منهزما من اثنين كانوا عصاة فلا يترخصون بصلاة الخوف، إلا أن يكون متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة وإلا جاز الترخص، ولو وقعت المسايفة وحضرت الصلاة فانهزم العدو، قال مالك: إن كانوا طالبين صلوا إيماء؛ لأنهم لم يأمنوا يقينا، وقال ابن عبد الحكم و(ش): يصلون على الأرض لأنهم طالبون والخلاف في تحقيق مناط. السادس: قال: فإن حضر الخوف في البحر وهم في مركب واحد، فهم كأهل البر، أو في مركبين صلت واحدة بعد واحدة، وقسم أمام كل واحدة أهلها طائفتين، فإن أمنوا إذا صلوا بإمام واحد جاز، ويقسم أهل كل قطعة طائفتين، فإن كانت عدة قطائع جاز أن يقسمهم ويصلي نصف القطائع ويحرس الآخر، وأما القطعة التي مع الإمام فتقسم طائفتين، وإن قسموا كل قطعة طائفتين فهو أحسن. السابع في الكتاب: إذا سها الإمام في أول صلاة الخوف سجدت الطائفة الأولى بعد إتمامها، كان قبل السلام أو بعده، وإذا أتم بالثانية جلس حتى يتموا فسجد بهم ثم يسلم. قال سند: فلو كان السجود مما يخفى أشار إلى الأولى فلو سها في انتظار الثانية أو تكلم أو أحدث لم يلزم الأولى شيء لكمال صلاتهم، بخلاف الثانية فإنها تسجد مطلقا كالمسبوق. تنبيه: شرعية صلاة الخوف تدل على أن مصلحة الوقت الاختياري أعظم من مصالح استيفاء الأركان وحصول الخشوع، واستقبال القبلة، وإلا لجوز الشرع التأخير للأمن، مع أنا لم نشعر بمصلحة الوقت ألبتة، وتحقق شرف هذه المصالح، ونظيره الصلاة بالتيمم تدل على أن مصلحة الوقت أعظم من مصلحة طهارة الماء.
|